كوب 30.. طريق مسدود يكشف الانقسام العالمي حول الحماية المناخية
كوب 30.. طريق مسدود يكشف الانقسام العالمي حول الحماية المناخية
تصل قمة الأمم المتحدة للمناخ إلى طريق مسدود، في حين تُفاقم الانقسامات بين الدول المنتجة للوقود الأحفوري، والدول الداعية إلى التحول العادل، حالة القلق الحقوقي بشأن مستقبل الحماية المناخية وحقّ الشعوب في بيئة آمنة.
وتصطدم الدول، وفق تقرير موسع نشرته اليوم “فايننشيال تايمز” حول المسألة الجوهرية المتمثلة في التخلي عن الوقود الأحفوري، وتتصاعد الخلافات بشأن تمويل المناخ والتجارة، ويغيب أي تقدّم حول ما يُعرف بـ"خارطة الطريق"، وهي الخطوة التي كان من شأنها تنظيم عملية انتقال اقتصادات العالم بعيدًا عن النفط والغاز والفحم.
وتُظهر مسودة الاتفاق التي صدرت يوم الجمعة، غيابًا تامًا لأي خريطة طريق تُلزم الدول بخفض استخدام الوقود الأحفوري، رغم تعهّد قرابة 200 دولة في قمة كوب28 في دبي بالتحول عنه بحلول عام 2050.
إدراج إشارات واضحة
يدفع مفوض المناخ في الاتحاد الأوروبي، فوبكي هوكسترا، باتجاه إعادة إدراج إشارات واضحة لخريطة الطريق، ويقول في اجتماع مغلق: "لن نقبل هذا تحت أي ظرف من الظروف.. ولا شيء قريباً، ولو من بعيد، مما هو مطروح الآن على الطاولة".
ويرفض الاتحاد الأوروبي، وفق "فايننشيال تايمز"، أي صيغة تُخفض سقف الطموح المناخي، ويُحذّر من احتمال عدم التوصّل إلى اتفاق، مؤكداً أنّ الفجوة لا تزال واسعة بين الدول.
وتقود نعض الدول النفطية جبهة الرفض لإعادة أي التزام يتعلق بالتحول عن الوقود الأحفوري، في حين تنضم إليهما دول نامية تُصنّف خارطة الطريق بأنها عبء اقتصادي إضافي، وتلتقي هذه المواقف مع الغياب الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي انسحب مجددًا من اتفاق باريس ويصف تغيّر المناخ بأنه "خدعة"، بحسب "واشنطن بوست".
تنعكس هذه الانقسامات على حقّ الدول الفقيرة في التمويل، إذ تتمسك الهند، وفق "فايننشيال تايمز"، بمزيد من الدعم المالي للتحول عن الفحم، وترفض ما تعده "ضغطًا غير عادل" للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بسرعة لا تتناسب مع احتياجاتها.
وتطالب الدول الأقل نموًا بزيادة التمويل لمواجهة آثار تغيّر المناخ، في حين يشير لويس بشير من وفد موزمبيق إلى أن "الأمور لا تسير على ما يرام"، وأن التمويل الحالي غير كافٍ.
غياب الوقود الأحفوري
تُصدر "واشنطن بوست" وصفًا صارخًا لمسودة الاتفاق الجديدة: إذ لا ذكر للوقود الأحفوري على الإطلاق، رغم أنّه العامل الرئيسي وراء الاحتباس الحراري، ويثير هذا الغياب غضبًا واسعًا بين الدول ونشطاء البيئة.
وتضغط البرازيل، الدولة المضيفة للقمة، من أجل إدراج خارطة طريق واضحة لتنفيذ الالتزام الذي أُقِر قبل عامين بالتحول عن الوقود الأحفوري، لكن ضغطًا مضادًا تقوده دول نفطية ودول نامية في إفريقيا وغيرها يُعطّل هذا المسار.
ويؤكد فوبكي هوكسترا مجددًا أن الاتفاق "لا يقترب بأي حال من مستوى الطموح الذي نحتاج إليه"، في حين يشير جيك شميدت من مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية إلى أن ما هو مطروح "أقل بكثير مما يحتاجه العالم".
ويذكّر الباحثون، كما تنقل "واشنطن بوست"، بأن السبيل الوحيد لتحقيق أهداف اتفاق باريس هو التخفيض السريع لاستخدام الوقود الأحفوري، وهو ما لا تعكسه مسودة الاتفاق الحالية التي أغفلت حتى الإشارة إليه.
ويحذّر عالم أنظمة الأرض كارلوس نوبري من ضرورة أن تعكس الوثيقة العلمية ضرورة التخلص من الوقود الأحفوري بحلول 2040 أو 2045 بحدّ أقصى.
ويفاقم الحريق الذي اندلع في أحد أجنحة المؤتمر وعلّق المحادثات لأكثر من ست ساعات من حالة الارتباك، وتتلقى أكثر من اثنتي عشرة حالة العلاج من استنشاق الدخان، ما يضيف طبقة من التعطيل إلى مفاوضات يُفترض أن تُنقذ مستقبل المناخ العالمي.
ويؤكد أندريه كوريا دو لاغو، رئيس القمة، أنّ العالم يراقب، وأنّ العلم واضح، لكنه يُقِر بوجود "عقبات ضخمة" تحول دون التوصل إلى توافق.
رسالة الـ29 دولة
من جانبها، نشرت "الغارديان" تفاصيل مسودة نص جديدة تُغفل أيضًا أي ذكر لخارطة الطريق، رغم تهديد 29 دولة بعرقلة التقدم في المفاوضات.
وتكشف الصحيفة أنّ هذه الدول وجّهت رسالة صريحة لرئاسة القمة البرازيلية تحذّر من أنّ غياب خارطة الطريق يُعدّ "خطًا أحمر" وأنّها "لن تدعم نتيجة لا تتضمن التزامًا واضحًا بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري".
ويُظهر مضمون الرسالة، كما نقلته الغارديان، أن هذه الدول تعد الالتزام جزءًا لا يتجزأ من حماية حقّ الناس حول العالم في مستقبل آمن، وتؤكد أنّ غياب أي تقدّم سيُنظر إليه "بوصفه خطوة إلى الوراء" و"فشلاً للعدالة المناخية".
وتضم قائمة الدول الموقعة على الرسالة: النمسا، بلجيكا، تشيلي، كولومبيا، كوستاريكا، كرواتيا، التشيك، إستونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، غواتيمالا، هندوراس، أيسلندا، أيرلندا، ليختنشتاين، لوكسمبورغ، جزر مارشال، المكسيك، موناكو، هولندا، بنما، بالاو، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة، وفانواتو.
وتؤكد وزيرة البيئة الكولومبية إيرين فيليز توريس لـ"الغارديان" أن الرئاسة قدمت نص "خذه أو اتركه"، وإنه "غير كافٍ" لمستوى الطموح الذي يجب أن يحققه مؤتمر الأطراف، وتشير إلى أنّ النجاح لا يُقاس باعتماد نصّ بأي ثمن، بل بجودته، وأن النص الضعيف سيكون "فشلًا للتعددية المناخية" وفشلًا للأجيال القادمة.
وتضيف مديرة المركز الدولي لسياسات المناخ، كاثرين أبرو، أنّ مجموعة متنامية من الدول لن تغادر بيليم دون صفقة مبنية على أربع ركائز: تمويل التكيف، تحسين جودة تمويل المناخ ومساءلته، معالجة أكبر مصادر تلوث المناخ -الوقود الأحفوري وإزالة الغابات- والالتزام بانتقال عادل.
ويتعطّل مسار التفاوض إثر الحريق الذي وقع في جزء من مركز المؤتمرات، ما تسبب في أضرار، ودفع إلى تعليق الجلسات وتأخير النقاشات.
تمويل التكيّف
تُبرز فايننشيال تايمز تفاصيل مسودة اتفاق تتضمن "دعوات لبذل جهود لمضاعفة تمويل التكيف ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2025"، وهو مستوى كانت الدول الغنية قد اعترضت عليه سابقًا.
ويُظهر النص أن الخلاف حول التمويل ليس مسألة سياسية فقط، بل مسألة حقوقية تتعلق مباشرة بقدرة الدول الفقيرة على حماية شعوبها من آثار تغيّر المناخ.
ويتواصل الضغط على الوفود مع مغادرة وزراء من أنحاء العالم البرازيل خلال ساعات، في حين تستعد سفن الرحلات البحرية التي تستضيف الوفود للمغادرة من بيليم لعدم قدرتها على استيعاب عشرات الآلاف من المشاركين.
وتفتح الصين جولة من المفاوضات التجارية عقب شكواها من الضريبة الأوروبية على الكربون، في حين تصر الهند ودول نامية أخرى على زيادة الدعم المالي قبل الدخول في أي التزام بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
ويؤكد الرئيس البرازيلي للقمة أندريه كوريا دو لاغو ضرورة إيجاد "حل وسط" وإظهار أن "الإجماع قوة"، محذرًا من أن هناك فصائل "لا تريد التوصل إلى اتفاق".
وتأمل بعض الأطراف الأوروبية في أن تُفتح نافذة تقدّم عبر لقاء محتمل بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ.
يعكس طريق كوب 30 وغياب الإجماع، وتراجع الإشارات إلى التحول، والإصرار على تعطيل الالتزامات، هشاشة نظام الحماية المناخية العالمي، وتهدد حقّ الأجيال القادمة بما وصفته الرسالة الدولية بأنه "كوكب صالح للعيش".











